لأكون صادقاً فأنا لم أقرأ هذا الكتاب بعد. هل يجعلني هذا غير مؤهل لمراجعة الكتاب؟ بالتأكيد!
إذن فإن مراجعتي اليوم ليست للكتاب نفسه بل مراجعة للفكرة الأساسية التي بني عليها هذا الكتاب. أنا قد شاهدت فيديو TED بالإضافة إلى قراءتي لتلخيصات ومراجعات لهذا الكتاب. آمل أن يجعلني هذا مؤهلاً لكتابة هذه المراجعة.
لماذا إذن لم أراجع الكتاب نفسه؟ لسببين:
- أنا لست واثقاً إن كانت هذه الفكرة البسيطة تحتاج 250 صفحة لشرحها، وأخاف أن يكون محتواه تجارياً ومجرد تضييع وقت بالتكرار، هل هناك من سبقني بقراءته لينصحني؟
- نظراً لصعوبة الحصول على الكتاب هنا فأنا مضطر لطلبه من الإنترنت وهذه الرحلة ستسغرق 3 أسابيع على الأقل لكنني متشوق جداً ولا يمكنني الانتظار.
إذن ربما أعود لهذه المراجعة عندما أقرأ الكتاب فعلاً، لكن في الوقت الحاضر لنستعرض الفكرة الأساسية التي بني عليها هذا الكتاب. الفكرة التي ستغير حياتك!
الكتاب عبارة عن 6 أجزاء لكنني سأكتفي هنا بالأجزاء الثلاثة الأولى
الجزء الأول: عالم لا يبدأ بـ”لماذا”
إذا كان لديك خدمة أو منتج فغالباً أنت لست الوحيد في السوق. إذ إن السوق يعج بالمنافسين الآخرين الذين يبيعون المنتج بأسعار مشابهة أو بمميزات مشابهة. إذن كيف يمكنك جذب زبائن جدد؟ عندما أسألك لماذا يختارك زبائنك قد تكون إجابتك أن سعرك أفضل أو أنك تملك ميزة معينة. بمعنى آخر (ولا تؤاخذني) فأنت ليس لديك فكرة واضحة عن نفسك ولا عن عملك!
هذا لا ينطبق على التجار فقط، هذه الفكرة تنطبق على كل شيء لذلك ابق معي، مثلاً أنت كموظف عندما تريد التوظف في شركة فأنت نفسك هو المنتج وأنت تريد أن تثبت نفسك بين المنافسين الآخرين الذين يريدون أن يأخذوا مكانك في الوظيفة. إذن أنت بحاجة لأكثر من مجرد مؤهلاتك أو خبراتك.
هناك طريقتان لتؤثر على السلوك: إما أن تؤثر في الناس أو تتلاعب بهم
التلاعب سهل جداً، كل ما عليك أن تخفض سعرك أو تبدأ حملات إعلانية، هناك طرق لا تعد ولا تحصى، الشركات تستخدم الأسعار والتخويف والطموحات وحتى الطرافة لتتلاعب بنا وتحمسنا للشراء.
صحيح أن التلاعب ينجح دائماً وفي النهاية ستتم الصفقة، لكن جميع هذه التقنيات ليست مستمرة، لأنها في الحقيقة مجرد نجاحات قصيرة المدى ولا تولد الولاء. هذه النجاحات قد تجعلك الأول في السوق لكنها لا تجعل الناس يتبعونك.
هناك فرق كبير بين الولاء وبين المبيعات المتكررة، إذ إن المبيعات المتكررة هي عندما يشتري منك زبائنك أكثر من مرة، بينما الولاء هو عندما يرفضون منتجاً أفضل أو سعراً أرخص ليبقوا معك ويدعموك على طول الخط حتى عندما ترتكب أخطاءً أو ينحدر مستواك.
المبيعات المتكررة تكلف باستمرار والأهم أنه في اللحظة التي يدخل فيها منافس جديد في السوق ويستخدم سلاح التلاعب بشكل أقوى فأنت ستفقد زبائنك. بينما عندما تبني الولاء فإن زبائنك سيقفون بجانبك حتى في الأوقات العصيبة ولن يتخلوا عنك بسهولة.
الجزء الثاني: منظور بديل
هنا نصل للدائرة الذهبية، قلة من الأشخاص والشركات يختارون أن يلهموا ويؤثروا بدلاً من أن يتلاعبوا، كل هؤلاء الأشخاص والشركات يفكرون ويتواصلون بالطريقة نفسها بالضبط. هذه الطريقة هي الاتجاه المعاكس تماماً للطريقة التي نتحدث نحن البقية بها. هذه الطريقة يلخصها المؤلف برسم مبسط اسمه “الدائرة الذهبية”.
هذه الدائرة ترينا كيف يؤثر بنا هؤلاء القلة ويلهمونها بدلاً من أن يتلاعبوا بنا
- ماذا What: كل شركة في العالم تعرف ماذا تفعل، ما هو المنتج أو الخدمة التي يقدمونها.
- كيف How كيف: بعض الشركات تعرف كيف تفعل ما تفعله. تعرف لماذا هم مميزون وماهي نقاط القوة الفريدة التي يملكونها، وتعرف الأسباب التي من أجلها أنت ستترك المنافسين وتتجه إليهم.
- لماذا Why لماذا: قلة جداً من الشركات تعرف لماذا هي تفعل ما تفعله (والهدف ليس جلب المزيد من الأرباح فهذه نتيجة). ما الذي يجعلك تنهص من سريرك كل صباح؟ ماهو هدف الشركة؟ ولماذا على أي أحد أن يهتم؟
العالم يتواصل من الجهة الخطأ
الاختلاف الرئيسي أن الغالبية الساحقة من الناس والشركات تتواصل من الخارج للداخل: هذا ما نفعله كل يوم وإليك كيف نفعله: الكاتب هنا يضرب لنا مثلاً بشركة أبل التي تتقن استخدام هذه الدائرة الذهبية. لنفرض أن شركة أبل تتحدث مثل الجميع، هكذا كانت لتبدو رسالتها الإعلانية:
نحن نصنع أجهزة عظيمة [ماذا]. أجهزتنا جميلة التصميم وسهلة الاستخدام [كيف]. هل تود شراء واحد؟
هذا النقاش ليس ملهما بل هو عقيم. ولذلك من الطبيعي أن يكون جوابك: لا شكراً! لا أريد!
لكن أبل لا تتواصل هكذا. إن الشركات الملهمة والقلة القليلة التي تقود السوق تتواصل بالعكس، جميعها تبدأ من داخل الدائرة الذهبية وتنتقل خروجاً. لا يوجد أي نوع من التلاعب أو الخداع، هم فقط يعكسون ترتيب المعلومة. وهكذا فهم يفكرون بشكل مختلف. ولنعد إلى مثال أبل وكيف هي رسالتها في الحقيقية:
في كل شيء نفعله نحن نؤمن بأننا نستطيع تحدي الوضع الراهن والتفكير بشكل مختلف [لماذا]. الطريقة التي نفعل بها هذا هي بتصميم منتجات جميلة وسهلة الاستخدام [كيف]. وهكذا نحن نصنع أجهزة عظيمة [ماذا]. هل تود شراء واحد؟
هل لاحظت الفرق في القوة والإلهام الذي ولّدته هذه الطريقة في الخطاب؟ إن الـ“لماذا” قد ربطتنا عاطفياً بينما الـ”كيف” والـ”ماذا” هما الإثبات للـ”لماذا”. عندما تستخدم الـ”لماذا” فصحيح أنه يمكن لأي عدد من المنافسين أن يقلدوك لكنهم لن يكونوا مثلك أبداً إذا لم يبدؤوا هم أيضاً بـ”لماذا”.
زبائنك لا يشترون “ماذا” تفعل، بل هم يشترون “لماذا” تفعله
لنعد لمثال أبل: عندما صنعت الآي باد لأول مرة لم يقولوا: مشغل MP3 سعته 5 غيغا. بل كانت العبارة التسويقية 1000 أغنية في جيبك. هنا أبل بدأت بالـ”لماذا” بدلاً من الـ”ماذا”.
لنقارن هذا بشركة دل التي تُعرّف نفسها بـ”ماذا” تفعل: “نحن نصنع الكمبيوترات”. عندما حاولت صنع مشغل MP3 فشلت فشلاً ذريعاً. الجمهور لم يرغب بشراء مشغل من شركة تصنع الكمبيوتر! لكن لو فكرنا بالأمر فإن شركة أبل هي شركة كمبيوتر أيضاً ونحن نشتري منها كل يوم. الفرق أنها تُعرّف نفسها بـ”لماذا” تفعل ما تفعل. ولذلك كانت قادرة ليس على بيع مشغل موسيقى فقط بل هاتف ولوحي أيضاً.
عندما تبدأ بالـ”لماذا” فإن المميزات تفقد أهميتها
لأن هدفك عندها يصبح أن تجذب الزبائن الذين يهمهم دافعك ويؤمنون به هم أيضاً. أنت لا يهمك أن تختلف عن المنافسين لأن اللعبة لن تعود من الأفضل ومن الأسوأ بعد الآن. بل هي أصبحت احتياجات مختلفة وشركة تفهم قيمنا وتهتم بقضيتنا وصار هذا ما نحتاج لمعرفته لنعرف إن كنا سنكون على وفاق معها أم لا.
هذا ليس رأياً بل علم أحياء
نحن البشر لدينا رغبة الانتماء في جيناتنا. في علم التشريح هناك 3 أدمغة، الدماغ الأول (الجديد) مسؤول عن التفكير العقلاني “الماذا” بينما الدماغان الثانيان أحدهما مسؤول عن التفكير العاطفي (الأوسط) والأخير (القديم) هو المتحكم بجميع الوظائف اللا إرادية للجسم كما أنه الذي يتخذ القرارات النهائية. هذا الدماغ لا يفهم الكلمات المكتوبة ويستجيب للمشاعر والأسباب ولذلك من الصعب علينا تفسير المشاعر بالكلمات.
عندما تتواصل من خارج الدائرة يمكنك أن تذكر كل الحقائق والأرقام لكنك لم تشرك العقل الذي يتخذ القرار ولهذا يشعر الناس أحياناً بأنه “هناك شيء غير صحيح في الأمر” مع أن كل شيء منطقي.
لكن عندما تتواصل من الداخل للخارج فأنت تشرك الدماغ المتحكم وهو سيتولى إقناع الدماغ العقلاني ليتحجج بالمنطق حتى يتم اتخاذ القرار.
الدماغ الداخلي قوي لدرجة أنه غالباً ما يقهر الدماغ المنطقي بقرارات قد تبدو غير منطقية لكنه يجد الحجج لها. هذا السبب الذي يجعل الناس تشتري منتجات أبل الأغلى سعراً بينما كان بإمكانهم شراء جهاز أرخص وبنفس القوة.
الجزء الثالث: الملهمون يحتاجون من يتبعهم
كبشر فإننا ننجذب للأشخاص الذين يحملون نفس قيمنا ومعتقداتنا. نحن ننجذب للمجتمعات التي توافقنا الرأي. وعندما نتوافق جميعاً في الرأي فإن الثقة تتشكل. هذا ما سمح لنا بترك عائلاتنا خلفنا أيام الصيد والتنقل وذلك لأننا نعرف أنهم محميون بأشخاص يحملون نفس معتقداتنا ويمكننا أن نأمنهم.
ولذلك عندما نوظف موظفين جدداً فإننا نوظف الأشخاص الذين يحملون النظرة التي نحملها وهكذا يمكننا الثقة ببعضنا البعض. هذا أهم عندنا حتى من الخبرة والقدرات التي تكتسب مع الوقت بينما الشخصية نادراً ما تتغير.
ولهذا من المهم أن تتحدث عن الـ”لماذا” وأن تثبتها بالـ”ماذا”. لأنه عندما تتوازن مقومات الدائرة بشكل مثالي ستظهر قيمة ما تفعله وستبني الولاء حولك وحول ما تفعل.
إذن كيف يمكنك تطبيق هذه النظرية اليوم؟
الكتاب يستمر لثلاثة أجزاء أخرى تشرح لك المزيد، لكنني سأكتفي هنا إذ أظن أن الفكرة الأساسية التي أريدها قد وصلت. السؤال المهم الآن هو هل هذه النظرية مقنعة؟ وكيف يمكنك تطبيقها لنفسك أو شركتك؟
عندما أفكر بالأحداث التي مرت معي فإن النظرية هي ما جعلتني أصمد حتى اليوم بينما كثيرون غيري انتقلوا إلى أعمال أخرى. أنا أعمل في مجال الإنترنت منذ أكثر من 10 سنوات وأنا مستمر بهذا العمل حتى الآن. ذلك لأنه يوجد هدف ويوجد سبب يجعلني أستيقظ كل يوم لأمارس هذا العمل.
أي أنه هناك شغف يحركني باستمرار. أي أنني أعرف لماذا أنا أمارس هذا العمل ولماذا أنا أحبه.
بل لست أنا فقط، حتى عملائي الذين تعرفوا علي وشاركوني هذه الـ”لماذا” كان هم أيضاً متحمسين للعمل معي على الرغم من أن أسعاري لم تكن دائماً أفضل صفقة بالنسبة لهم. وهذه قوة البدء بـ”لماذا”.
حسناً ماذا عنك؟
إذن حان الوقت لتكتشف الـ“لماذا” الخاصة بك. اترك كل شيء من يدك وانظر إلى إنجازاتك التي قمت بها. الـ”لماذا” ليست شيئاً تحلم به أو تسعى لتحقيقه، بل هي شيء مبني بداخلك وهي الإنجازات التي ركزت عليها وكانت تهمك ونجحت بها.
تذكر فقط أن اكتشاف الـ”لماذا” هو اكتشاف وليس اختراعاً.
حتى إذا كنت تمثل مؤسسة أو شركة فإن الـ“لماذا” تأتي من معتقدات ونظرة المؤسسين. وفي الحقيقية فإن الـ”لماذا” في الشركات هي غالباً مقومات كان يؤمن بها المؤسس قبل إنشاء شركته بوقت طويل، وهي المحرك الذي يبقي الشركة في الاتجاه الصحيح.
هل تحب أن تعرف كيف ساعدت أنا الكثيرين لاكتشاف الـ”لماذا” الخاصة بهم؟
إن أول مهمة أبدأ بها أنا في كل مشروع جديد أعمل عليه هي اكتشاف “اللماذا” الخاصة بزبوني، وذلك لأنها النواة وأهم نقطة ستساعدنا للنميزه عن منافسيه ونزيد مبيعاته.
خلال الفترة القادمة سأنشر مزيداً من الدراسات (Case Studies) وأشرح فيها خطوة بخطوة كيف وصلت إلى الـ”لماذا” وكيف أكملت بعدها وماذا فعلت لأحسن النتائج وأزيد الأرباح.