اليوم وصلتني رسالة فريدة من نوعها على موقع لنكد إن.
فريدة لدرجة أنني لم أستطع إلا التوقف لقرائتها كاملة ومن ثم تنفيذ المطلوب مني فيها بالحرف! لماذا تجاوبت أنا مع هذه الرسالة بالذات بنما الرسائل الـ14 التي قبلها رميتها في سلة المهملات؟ هذا ما سأخبرك به اليوم.
هذه الرسالة مثال رائع وعملي لكيفية كتابة إعلان فعال ومؤثر وفيها سر بسيط جداً وفعال جداً سيضاعف أرباحك عدة مرات على الأقل. ولذلك تركت كل شيء في يدي وأحببت أن أشاركك إياها لأنها تستحق أن نتوقف كلانا أنا وأنت لكي ندرسها معاً ونتعلم كيف نكتب مثلها.
لكن قبل أن نبدأ دعني أخبرك قصة الرسائل الـ14 السابقة.
كل بضعة أيام تصلني رسالة إعلانية مزعجة على موقع LinkedIn.
قد تظن أنني أتحدث عن الإعلانات العادية التي تزين الصفحات وتحاول إزعاجك قدر المستطاع حتى تنتبه لها.. لكنني لا أتحدث عن ذلك النوع..
أنا اليوم أتحدث عن إعلان من نوع أكثر إزعاجاً بكثير، وذلك لأنه يتم بالتدريج مما يطيل وقت التعذيب.
إليك كيف تعمل هذه الإعلانات:
في البداية يصلني طلب إضافة من شخص لم أسمع به في حياتي. وبما أنني مسكين على باب الله يبحث عن فرصته الوظيفية التالية فإنني أقفز فرحاً وحماسة بهذا الطلب. فهو بالتأكيد مدير لشركة كبيرة اكتشف مواهبي الدفينة التي لم أعلم أنا نفسي بوجودها وهو يريد أن يعرض علي راتباً من 5 خانات مع امتيازات مثل ثلاجة العصير التي يمكنني أن أسحب منها كيفما شئت مجاناً.. إلخ
وهكذا لا يكون مني إلا أن أوافق على طلب الإضافة على الفور ثم أجلس متظراً متخيلاً مكتبي الجديد ذي الإطلالة الخلابة..
لكن ما يحصل بعد ذلك محبط جداً…
إذ يتضح أن سبب الإضافة هو أن المرسل لديه رسالة هامة جداً يريد أن يشاركني إياها وهي غالباً شيء كالتالي:
مرحبا
نحن شركة ـــــــــ، مختصة بتصميم وبرمجة المواقع والتسويق الرقمي، أحد أقسام شركتنا هو قسم “الموشن جرافيك”، وفيه نصنع فيديوهات للشركات توضح من خلالها فكرة عملها أو تسلط الضوء على انجازاتها ومشاريعها.
لدينا الكثير من الانجازات وهذه روابط عينة من أعمالنا التي أنجزناها لعملائنا،،
نتطلع للتعاون معكم وتنفيذ ما يلزمكم بأعلى جودة وأفضل سعر.
ماهي ردة فعلك عندما تصلك رسالة مثل هذه؟ ربما يكون السؤال صعباً لأنك لا تبحث عن شركة تسويق حالياً، لكن يمكنك تخيل سيناريو شبيه لا بد وأنه حصل لك عندما يدق هاتفك ويظهر على الطرف الآخر شخص يقول لك (بلهجة آلية مملة): مساء الخير أستاذي… ممكن دقيقة من وقتك لأخبرك عن شركتنا؟
أول ما ستفكر به هو: “هفففف… أنا مشغول أرجو ألا تضيعوا وقتي”.. ومن ثم ستغلق السماعة. صحيح؟
هذا بالضبط ما حصل مع هذه الرسالة الإعلانية…. مصيرها سلة المهملات.
لكن لماذا هذه الرسائل ضعيفة وبالكاد تأتي بمردود؟ وماهي الطريقة الأفضل؟
في البداية دعنا نترجم كلمات الإعلان السابق قبل التمويه إلى الكلمات الحقيقية والتي تقول التالي:
عزيزي السيد كيس النقود،
نحن بحاجة لبعض المال، لذا نرجو منك سرعة الشراء منا…
طبعاً أنت ستسعد بالشراء من عندنا لأن منتجاتنا جيدة ولأننا ملتزمون بالجودة والتفوق ويهمنا رضا العميل أولاً وآخراً بل وفي الحقيقة نحن في هذا المجال منذ ٢٠ سنة ولدينا أكثر من ١٠٠ عميل
هل رأيت أين المشكلة الهائلة في الأعلى؟
ربما لا تكون واضحة مباشرة..
لأنني أنا نفسي استغرقت سنوات طويلة قبل أن أكتشف السر..
نعم كلانا نعرف أن أنه يوجد شيء ناقص في هذه الرسالة لكننا لا نعرف ما هو..
لكن عندما اكتشفته أنا تغيرت حياتي للأبد وذلك لإن إعلاناتي بدأت تأتي بمردود ضخم، لأنني صرت أعرف أخيراً ماهو الشيء الذي أحتاج لفعله حتى يستجيب الطرف الثاني إلى طلبي..
هذا السر يعود إلى قاعدة بسيطة من أهم قواعد النفس البشرية، وهي:
الناس لا يهمها من أنت وماذا تفعل.. كل شخص في العالم يهمه نفسه فقط!
عندما نمر على أي إعلان نحن دائماً نفكر: “كيف سيفيدني هذا” أو “لماذا علي أن أهتم” كل شخص يهمه نفسه قبل أي أحد آخر.
والآن عد إلى الرسالة في الأعلى واقرأها ثانية. هل لاحظت أنها كلها تتحدث عن الشخص في الجهة الأخرى؟ اشتر مني، أنا رائع، أنا رهيب، هيا أعطني نقودك.. هذا الشخص لا يأبه لي، هو يريدني أن أعطيه أنا قبل أن آخذ أنا…
إذن ما هي النتيجة الآن؟ هو ضيع وقته وأنا ضيعت وقتي ولا أحد من الطرفين سعيد.. وهذه ليست أفضل طريقة لتشغيل مشروع، صحيح؟!
قد تظن أنني أبالغ.. إليك بعض الأرقام الحقيقية لتتأملها: واحد من أصحابي كان يستخدم هذه الطريقة ويرسل 10 رسائل تقريباً في اليوم وبالكاد يحصل على رد كل أسبوعين.. هذا جهد كبير ومضيعة للوقت.. لا بد من وجود طريقة أفضل!
لكن ما هو البديل؟ وما هي تلك الطريقة الأفضل؟
أنا سعيد أنك سألت، لأن هذا السؤال هو أول خطوة لتجد الجواب. فالجواب عندك أنت.
ماذا أعني؟ فكر بالعبارة السابقة. كل شخص يهمه نفسه فقط.. إذن عليك أن تفكر كيف يمكنك أن ترضي الطرف الآخر قبل أن يرضيك هو بأن يشتري منك. فكر كيف يمكنك أن تعطي قبل أن تأخذ، ماذا يمكنك أن تقدم لي أو تهديني كعربون صداقة جديد؟ لماذا علي أن أستمع إليك؟ لماذا علي أن أخصص وقتاً لأستمع إليك بدلاً من إنهاء أعمالي المهمة أو قضاء وقت هادئ مع عائلتي؟ فاجئني.. أسعدني!
هل تركتك في حيرة أكثر من الأول؟ حسناً حان الوقت لمثال.. إليك الرسالة الإعلانية التي كنت أتحدث عنها:
عزيزي سارية،
أنا أبني حالياً أداة لفلترة عناوين البريد ✉️
وبما أنها في مرحلة تجريبية فيمكنك أن تفلتر حتى 1000 عنوان بريد يومياً مجاناً
ظننت أن الأمر يهمك لأنك كتبت في صفحتك أنك growth hacker 🙂
سأقدر لك إذا جربتها وأعطيتني رأيك الصريح
هل لاحظت كم هي قوية هذه الرسالة؟
أولاً هذا الرجل لم يطلب مني أي شيء. لا يريد مالاً ولا يريدني أن أضيع وقتي لأسمع عرضه. بل بدلاً من ذلك يريد أن يهديني شيئاً قيماً مجاناً!
ثانياً هذا الرجل مهتم فيّ أنا تحديداً.. لاحظ أنه لم يضفني عشوائياً.. بل اختارني لأنني Growth Hacker، مما جعلني أشعر بأنني مميز وأنه حقاً يعرف ماذا أحتاج أنا.
والآن ماذا سأفكر وأنا أقرأ هذه الرسالة؟ “واو 1000 عنوان يومياً؟ هذا بالتأكيد عرض قيم.. لا بد أنني شخص مميز ومحظوظ.. رائع! أريد هذا العرض بالتأكيد!”
ما سيحصل بعد ذلك أنني سأقع في فخ قانون “رد الجميل”، وهو أحد قوانين الإقناع الستة التي تحدث عنها الدكتور “كالديني” في كتابه الشهير عن الإقناع (وضعت رابط الفيديو على صفحتي منذ فترة)، وينص هذا القانون على أنه عندما تقدم معروفاً لأي شخص فإنه غالباً ما يصبح ممتناً لك وبانتظار إعادة المعروف لك..
فكر بالأمر! لو ذهبت إلى مطعم وجاء نادل إليك واحتفل بك وأعطاك طاولة مميزة وأثناء العشاء فاجأك بطبق حلويات مجاني على حساب المطعم، ألن تضاعف بقشيشه؟
إذن في المرة القادمة التي تحضر فيها عرضك أو رسالتك التسويقية تذكر هذا القانون البسيط.. لا أحد يأبه بك.. كل شخص يهمه نفسه فقط، ولذلك قبل أن تبدأ:
فكر كيف يمكنك أن تعطي قبل أن تأخذ
هذه الفكرة تنطبق على الجميع سواء أكنت شركة كبيرة أم صغيرة أو إذا كنت تدير مشروعك الخاص المتناهي في الصغر (Micro Business).
مثلاً لنعد للشركة التي ذكرتها في الأعلى، هذه الشركة تطور المواقع وأرادت أن تحسن من أداء الإعلان لذلك أعادت كتابة الرسالة بالشكل التالي
عزيزي السيد كيس النقود،
لاحظت وأنا أتصفح موقعك أنه بطيء جداً وبعد بعض التحليل السريع اكتشفت أن الموقع مستضاف عند شركة سيئة. وبما أن البطء يجعلك تخسر الزوار(وبالتالي المبيعات) فإليك عدة اقتراحات لأفضل شركات الاستضافة
- …..
- ……..
- ……….
آمل أن تفيدك..
وبالمناسبة، اكتشفت أيضاً أن لديك مجموعة من السكربتات الثقيلة والتي لا داعي لها، يمكنك حذفها دون أن تأثر على أداء الموقع نهائياً.. إذا كنت مهتماً فأرجو مراسلتي وسيسعدني أن أعطيك المزيد من التفاصيل
هل لاحظت الفرق؟ فجأة صارت الرسالة جذابة! “نعم هذا شخص مهتم بي وبمشروعي وجاء لمساعدتي دون أن يطلب نقودي أو تضييع وقتي في شيء لا يهمني، ياله من شخص رائع”.
هل تظن أنني أبالغ؟ دعني إذن أخبرك أن صاحبنا في الأعلى انتقل من 10 رسائل يومية بدون رد إلى 4 ردود من كل 10 رسائل وفي النهاية اضطر لتقليل عدد الرسائل التي يرسلها أسبوعياً حتى يتمكن من مواكبة كمية الطلبات الضخمة التي صارت تنهال عليه.
هذا الكلام لا ينطبق فقط على الخدمات، بل يمكن للشركات التي تبيع منتجات تنفيذه أيضاً، انظر الرسالة التالية:
صديقنا العزيز،
لاحظنا من مراجعاتك في حساباتك الاجتماعية أنك تحب زيارة مطاعم جديدة باستمرار.
لذلك نحب أن ندعوك أنت والشخص الذي تحب إلى عشاء مجاني على حسابنا بالكامل، وبدون أي التزامات من طرفك.
نحن متأكدون أنك ستحب مطعمنا، فبالإضافة إلى الأطباق اللذيذة فإن المطعم مزود بشاشات ضخمة محيطة بقاعة الطعام حيث نعرض عليها لقطات بالحجم الطبيعي من أنحاء العالم لتشعر كأنك تتناول طعامك أثناء السفر.
تخيل نفسك تتناول وجبتك أمام برج إيفل أو من دار الأوبرا في سيدني.. مع قاعتنا الفريدة من نوعها بالأصوات الطبيعية بل وحتى تيارات الهواء ورائحة العشب فإنها تجربة حقيقة تجعلك تشعر وكأنك سافرت وعدت إلى بيتك في آخر اليوم. لا تفوتها
نحن بانتظارك ولا تنس أن تحضر معك من تحب،
مع تحياتنا لك
واو عشاء مجاني لشخصين… هذا عرض قيم بالفعل!
لكن لحظة! قد تقول أنه عرض مبالغ فيه وأنك ستخسر.. صحيح؟ هنا تأتي أهمية معرفة أرقامك (كم تتوقع أن تحصل من هذا الزبون على المدى الطويل Life time value وكم شخصاً قد يأتي عن طريقه Influence meter إلخ)، وسنتحدث عن هذا الموضوع في مرة أخرى.
إذن والخلاصة الآن.. في المرة القادمة التي تريد أن تكتب فيها إعلانك تذكر أن تفكر كيف يمكنك أن تعطي قبل أن تأخذ، وسترى النتيجة مبهرة. فالعطاء شيء رائع ويجعلنا جميعنا نشعر أننا أفضل..
ملاحظة ختامية: هل جربت هذه الطريقة قبلاً؟ كم كانت نسبة التحسن؟ وماذا فعلت؟ شاركنا في التعليقات لنتعلم منك نحن أيضاً